الفتوى العصرية
لمفتي الديار المصرية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه:
أما
بعد : فقد قرأت مقالة نشرتها جريدة المدينة في ملحقها (الرسالة) في عددها
الصادر في يوم الجمعة الموافق (13رجب عام 1428هـ ) الموافق ( 27يوليو
2007م ) حول فتوى مفتي مصر في إجازة ردة مسلمين جدد للمسيحية :
ومن فقرات هذه المقالة :
1-"
رفعت فتوى مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة والتي أفتى فيها بجواز
الردة عن الإسلام الجدلَ داخل المؤسسة الدينية بمصر والتي تسيطر عليها
ثلاث جهات هي الأزهر كأعلى هيئة إسلامية مستقلة في البلاد ، ووزارة
الأوقاف التي تشرف على القطاع الدعوي والسيطرة على المنابر، ثم دار
الإفتاء التابعة لوزارة العدل .
2-
وقال مفتي الديار المصرية -كما نقلت الصحيفة -: " إنّ تخلي الشخص عن دينه
إثم يعاقبه الله عليه يوم القيامة وإذا كان الأمر يتعلق بشخص يرفض الإيمان
فحسب ، فإنه ليس هناك عقاب دنيوي لكن إذا كان اعتناق ديانة أخرى من شأنه
تقويض أمن واستقرار المجتمع، فإن الأمر ينبغي أن يحال إلى القضاء" .
3-
وقال في فتواه كما - في الصحيفة - : " إنّ هؤلاء المسيحيين وإن كانوا
مرتدين عن الإسلام من الناحية الفقهية إلا أن الحقوق المدنية المترتبة على
ارتدادهم عن الإسلام تجاه الدولة والهيئة الاجتماعية أمر يرجع إلى جهة
الإدارة وليس إلى الرأي الشرعي بحساب المنافع والمضار ومدى موافقة هذا
التصرف للدستور والقوانين المعمول بها ومدى تأثيره على الأمن القومي
والاجتماعي وكلّ ذلك يتعلق بالحياة المدنية التي تعدّ الإدارة مسؤولة عنها
بغضّ النظر عن الحكم الديني في المسألة ".
4- وقال الكاتب في الصحيفة المذكورة ناقلاً موقف مؤيدي الفتوى :
"
واتفق عدد من الفقهاء والمفكرين الليبراليين والقانونيين بالقاهرة مع
الفتوى الجديدة التي ترى أن ليس هناك حد الردة " وأن الحديث النبوي الشريف
الذي يشير إلى قتل المرتدين المقصود منه عقاب سياسي على الخيانة الوطنية
وليس عقاباً على المعتقد " .
أقول
: إنّ من عجائب هذا الزمن أن تصدر هذه الفتوى وأمثالها من مفتي بلد إسلامي
كبير كمصر ، وأن تجد هذه الفتوى مؤيدين من فقهاء ومفكرين ولبراليين
وقانونيين بحجة أنه ليس هناك حد للردة .
وتزداد
الكارثة فظاعة أن تأتي هذه الفتوى في حالة ردة جماعية (أربعمائة مسلم)
ارتدوا إلى النصرانية فتجد هذه المجموعة الباب مفتوحاً أمامها ولمن يريد
أن يرتد عن الإسلام في بلد مسلم .
والذي فتح هذا الباب هو المفتي ومؤيدوه من الأصناف المذكورة، ومستندهم أنه ليس هناك حد للردة ، وغالب هؤلاء يتحدث باسم الإسلام .
وعند
المفتي أن الردة لا تعالج من ناحية إسلامية وإنما من ناحية أمنية ، ولا
أدري أهذا منهم جهل بشريعة الإسلام أم تجاهل وأحلاهما مرّ .
إنّ
كلام المفتي - إن صح عنه - صريح في أنه ليس لله ولا لرسوله ولا لدينه حكم
على المرتدين في الدنيا، وأنّ الحكم في ذلك للدستور والقوانيين التي وضعها
البشر المتأثرون بالديموقراطية والقوانيين والدساتير الغربية الكافرة التي
تمنح الإنسان الحرية في دينه وتصرفاته ما لم يصطدم بهذه القوانيين الضالة
المحاربة للشريعة الإسلامية الخاتمة للرسالات، وبذلك يكون قد خالف هذا
المفتي ومن أيده النصوص القرآنية والنبوية وإجماع علماء الأمة.
قال تعالى مبينا مكانة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- : ﴿فَلا
وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ (النساء:65)، وقال تعالى : ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (الحشر:7)، وقال تعالى : ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النور : 63)، وقد أمر الله في آيات كثيرة بطاعته وطاعة رسوله واتباع رسوله وما أنزل إليه.
فأين
أنت أيها المفتي ومن يؤيدك من هذه الآيات العظيمة الحاسمة في وجوب طاعة
النبي -صلى الله عليه وسلم- واتباعه والأخذ بأحكامه ؟! ومنها الحكم على
المرتدين بالقتل في عدد من الأحاديث الصحيحة عنه .
أين أنت أيها المفتي ومن يؤيدك من قول خاتم الأنبياء -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه عدد من أصحابه الأمناء منهم :
1-
ابن عباس الذي روى حديثه عدد من الأئمة منهم الإمام البخاري حيث قال في
صحيحه في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم ، حديث (6923) ،
والإمام الشافعي في الأم تحت عنوان المرتدين عن الإسلام ( 1/257 ) وتكلم
عن حكم المرتد ، وأنه القتل بعد الاستتابة ، وساق آيات ، وأحاديث تتعلق
بالردة والمرتدين ، والحميدي في مسنده حديث ( 533 ) ، و أبو داود في كتاب
الحدود باب الحكم فيمن ارتد ، والنسائي في باب حكم المرتد حديث (4059 ) ،
والترمذي في الحدود باب ما جاء في المرتد وهاك نص الحديث بتمامه :
قال
الإمام البخاري – رحمه الله – : حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل حدثنا
حماد بن زيد، عن أيوب عن عكرمة، قال : أتيَ علي -رضي الله عنه- بزنادقة
فأحرقهم ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم ؛ لنهي رسول
الله -صلى الله عليه وسلم -: "لا تعذبوا بعذاب الله"، ولقتلتهم لقول رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- " من بدل دينه فاقتلوه"، ورواه الترمذي من طريق
أخرى إلى أيوب عن عكرمة به، ثم قال عقبه : هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على
هذا عند أهل العلم في المرتد واختلفوا في المرأة إذا ارتدت عن الإسلام ،
فقالت طائفة من أهل العلم : " تقتل " وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق ،
وقال طائفة تحبس ولا تقتل وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل الكوفة ".
وقول
الترمذي : "والعمل على هذا عند أهل العلم" فيما يتعلق بالمرتد من الرجال
،ولم يذكر في ذلك خلافاً وإنما ذكر الخلاف في المرأة يفيد أن العلماء قد
أجمعوا على قتل المرتد من الرجال .
2- أين أنت أيها المفتي ومن يؤيدك من قول الرسول r
الذي رواه الصحابي الجليل ابن مسعود -رضي الله عنه- : " لا يحل دم امرئ
مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس
، والثيب الزاني ، والمفارق لدينه التارك للجماعة " أي المرتد عن الإسلام .
حديث متفق عليه ، أخرجه البخاري في كتاب الديات ، باب قول الله تعالى : ( النفس بالنفس والعين بالعين ) الآية ، حديث ( 1878 ) قال :
حدثنا
أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا حفص بن غياث وأبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن
عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله ( يعني ابن مسعود ) قال : قال رسول
الله r : " لا يحل دم امرئ مسلم " به .
وأخرجه مسلم في باب ما يباح به دم المسلم ، حديث (1676 ) من طرق إلى ابن مسعود به .
وأخرجه أبو داود في الحدود ، باب حكم المرتد ، حديث (4352 ) .
وأخرجه النسائي في سننه في كتاب تحريم الدم ، باب ما يحل به دم المسلم ، حديث ( 4016 ) من حديث ابن مسعود .
وأخرجه الترمذي في أبواب الديات ، باب ما جاء لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث حديث(1402 ) .
وأخرجه
النسائي في باب القود حديث (4721) بإسناده إلى شعبة عن سليمان ( يعني
الأعمش ) ، قال سمعت عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله ( يعني ابن
مسعود ) عن رسول الله r به .
وأخرجه النسائي في سننه ، قال : أخبرنا إسحاق بن منصور ، قال : أنبأنا عبد الرحمن ، عن سفيان عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن عبد الله به .
قال النسائي : فحدثت به إبراهيم فحدثني عن الأسود عن عائشة بمثله .
3-
ثم قال : أخبرنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ،
قال : حدثنا أبو إسحاق عن عمر بن غالب ، قال : قالت عائشة أما علمت أن
رسول الله r قال : "لا يحل دم امرئ مسلم إلا رجل زنى بعد إحصانه ، أو كفر بعد إسلامه ، أو النفس بالنفس " وقفه زهير .
أقول
: زهير هنا خالف سفيان الثوري في روايته عن أبي إسحاق فوقفها، ورواية
سفيان هنا المرفوعة أرجح من رواية زهير ؛ لأن سفيان أثبت وأقدم رواية عن
أبي إسحاق من زهير ؛ لأن زهيراً سمع من أبي إسحاق أخيرا بعد تغيره ، ولو لم يكن ذلك ، فلا يقدم على سفيان الثوري الذي يقدم على شعبة في أيّ خلاف ، فكيف بزهير .
4- ثم روى حديث عثمان في هذا الموضوع ، فقال :
أخبرني إبراهيم بن يعقوب ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثني أبو أمامة بن سهل ، وعبد الله بن عامر بن ربيعة قال
: كنا مع عثمان وهو محصور ، وكنا إذا دخلنا مدخلا نسمع كلام من بالبلاط ،
فدخل عثمان يوماً ثم خرج فقال : إنهم ليتواعدوني بالقتل ، قلنا يكفيكهم
الله ، قال : فلم يقتلوني ؟ سمعت رسول الله r يقول : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه ، أو زنى بعد إحصانه أو قتل نفساً بغير نفس ، فو الله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ، ولا تمنيت أن لي بديني بدلا منذ هداني الله ولا قتلت نفساً ، فلم يقتلوني " وهذا حديث صحيح وإسناده صحيح .
5- حديث معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما-.
قال
الإمام البخاري في صحيحه في كتاب استتابة المرتدين حديث ( 6923 ) : حدثنا
مسدد حدثنا يحيى ، عن قرة بن خالد قال : حدثني حميد بن هلال ، قال : حدثنا
أبو بردة ، عن أبي موسى قال : أقبلت إلى رسول الله r وساق قصة من طلبوا العمل من رسول الله r ، وقول رسول الله r
لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده ، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا
عبد الله بن قيس إلى اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل ، فلما قدم عليه ألقى له
وسادة ، قال : انزل ، فإذا رجل عنده موثق قال : ما هذا؟ قال : كان يهوديا
فأسلم ، ثم تهود قال : اجلس ، قال : لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله
ثلاث مرات ، فأمر به فقتل ".. الحديث.
وأخرجه مسلم في الإمارة حديث (1733 ) ، قال : حدثنا عبد الله بن سعيد ومحمد بن حاتم قالا: حدثنا يحيى بن سعيد القطان به .
فهذه جملة من الأحاديث الصحيحة الثابتة فيها حكم الله ورسوله بقتل المرتد ، وقد عمل بها الأمة وسيأتي ذكر الإجماع على ذلك .
فهل نأخذ بحكم الله ورسوله وإجماع الأمة أو نأخذ بفتوى مفتي مصر المخالفة لذلك كله والمعتمدة على الدستور والقوانيين المعمول بها؟!.
قال تعالى : ﴿وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً﴾(الأحزاب:36)