مكانة هذه الرسالة
تعد هذه الرسالة من الرسائل المهمة في تحقيق عقيدة السلف أهل السنة
والجماعة، وإن كان بعض المعاصرين ممن تكلم على هذه الرسالة، قد بالغوا في
التثريب على صاحبها في بعض المسائل، وذكروا أنه ليس محققاً لمذهب السلف أو
طريقتهم، ونظروا في شيء من كلامه في مسألة التفويض وبعض الأحرف الأخرى.
والتحقيق أن هذه الرسالة ليس فيها غلط صريح، وإنما يوجد في بعض المواضع
قدر من الإجمال والتردد، وإذا قارنا بين هذه الرسالة وبين رسالة أبي جعفر
الطحاوي -المعروفة بالعقيدة الطحاوية- فإن رسالة الموفق أشرف منها، وأبعد
عن الغلط في بعض المسائل، أما الطحاوي رحمه الله فقد غلط في بعض مسائل
الإيمان غلطاً صريحاً؛ لأنه حاكى مذهب أبي حنيفة في مسألة الإيمان محاكاة
تامة، ونقل عن بعض أصحابه من الأشاعرة بعض الجمل المجملة في مسألة العلو،
وإن كان لم يلتزم بنتائجها، إلى غير ذلك. مع أن رسالة أبي جعفر الطحاوي من
الرسائل الفاضلة في مذهب أهل السنة والجماعة، لكن رسالة الموفق أقرب إلى
طريقة أهل الحديث منها. والمقصود من هذا: أن اللمعة للموفق ليس فيها غلط
محض، وإنما فيها بعض المواضع المجملة المحتملة.
أهمية الرسالة من خلال منهج مؤلفها
إذا ابتدأت بقراءة هذه الرسالة فإنك تجد أن مؤلفها ذكر في مطلعها جملاً
عامة في تقرير مقام الربوبية، ولهذا يصح أن نقول: إن من فضائل هذه الرسالة
أن فيها تقريراً للمعتقد على التحقيق، فإنها ليست مادة من الأحرف التي
تقرر جملة من النظر أو التصورات فحسب، بل فيها ذكر لشيء من الحقائق
الإيمانية، التي يترتب على قراءتها -فضلاً عن التأمل فيها- التحقيق
للإيمان ظاهراً وباطناً، ولهذا ذكر فيها جملاً من التعظيم لمقام الربوبية،
ومقام الألوهية، ومقام النبوة والرسالة، مما يتحقق به قدر من التأصيل
للتلازم بين الظاهر والباطن في مسألة الإيمان. والذي درج عليه أكثر
المتأخرين أنهم إذا صنفوا في مسائل الاعتقاد يذكرون الجمل التي كثر النزاع
فيها بين أهل القبلة فقط، دون ربط هذه الجمل بشيء من الحقائق الإيمانية.
وبعد هذه المقدمة الوجيزة نشرع في تقرير مسائل هذه الرسالة تقريراً
موضوعياً.
يتابع إن شاء الله